حمام شرعة التاريخي السياحي في حالمين!
د. عبده يحيى الدباني
في آخر مواسم الشتاء وبدء تعدل الجو وانقشاع نجوم البرد ، يكون الناس في قرى حالمين على موعد مع حمام شر...
تتردد على لسان الأنظمة العربية – ولا سيما دولة مثل قطر – شعارات رنانة عن دعم وحدة الدول واحترام سيادتها. ففي أكثر من مناسبة، صرحت الدوحة بأن: "دولة قطر تؤمن بأن مستقبل الصومال واليمن يُبنى على الانفتاح والتواصل البنّاء بين جميع مكوناته، بما يضمن احترام سيادة اليمن ووحدته وأراضيه، وكذلك صون جمهورية الصومال الاتحادية ووحدتها الوطنية".
لكن الواقع يُظهر تناقضًا صارخًا في هذا الخطاب، خصوصًا عندما ننظر إلى ما عاناه شعبا اليمن والصومال من حروب وانقسامات بسبب أطراف لم تحترم أسس الشراكة والديمقراطية التي قامت عليها مشاريع الوحدة. فالوحدة اليمنية انقلبت إلى صراع دموي، بداية من نظام علي عبد الله صالح ومرورًا بالحوثيين وجماعة الإخوان الحركية الإرهابية. أما في الصومال، فلم يحترم لا نظام محمد فرماجو، ولا خلفه حسن شيخ محمود، مبادئ التعدد والتوافق، بل استمر نهج الإقصاء ومصادرة الحقوق.
إن حلم "الصومال الكبير" و"اليمن الكبير" لم يعد يختلف كثيرًا عن حلم "القومية العربية" الذي بشّر به جمال عبد الناصر؛ فهو مشروع عاطفي، صعب التحقق. لن تعود جيبوتي، ولا إقليم أوغادين في إثيوبيا، ولا الإقليم الشمالي الشرقي في كينيا، إلى سيطرة مقديشو، تمامًا كما لن يعود جنوب اليمن بكل محافظاته إلى قبضة الهضبة الزيدية القبلية الطائفية العسكرية.
والقول بهذا الواقع لا يُعد عداءً لمقديشو أو صنعاء، بل هو اعتراف بحقائق ميدانية: فعدد الصوماليين خارج سيطرة الحكومة الاتحادية في مقديشو يفوق من هم تحت إدارتها، ومعظمهم لا يرغب في العودة لحكمها، كما هو الحال في عدن ومدن الجنوب اليمني.
المفارقة العظمى تكمن في أن قطر تنكر على أرض الصومال والجنوب حقهما في تقرير المصير، بينما قامت هويتها واستقلالها على منطق شبيه. فبعد أن أنهى العرب الحكم الفارسي على البحرين في القرن الثامن عشر، سيطرت أسرة آل خليفة على جزيرتي البحرين وقطر. ورغم محاولات آل ثاني الاستقلال، لم يُعترف بقطر ككيان منفصل إلا بعد حرب 1867، حين دمرت القوات البحرينية مدينتي الدوحة والوكرة، كما دمّر سياد بري هرجيسا، وعلي عبد الله صالح عدن.
في عام 1868، فرضت بريطانيا تسويةً اعترفت بقطر ككيان مستقل عن البحرين. هذا الاعتراف سبق اعترافها بأرض الصومال والجنوب العربي ككيانات مستقلة. ومن هنا، يُصبح إنكار قطر لحق الصوماليين الجنوبيين والجنوبيين اليمنيين في تقرير مصيرهم نفاقًا سياسيًا فجًّا، إذ تتجاهل الدوحة السياق التاريخي الذي أفضى إلى استقلالها.
يجادل القطريون بأن ظلم آل خليفة لآل ثاني شكّل نواة الهوية القطرية، لكن حتى هذا الاضطهاد لا يُقارن بما ارتكبه سياد بري ضد قبائل إسحاق في أرض الصومال، أو ما فعله نظام صالح وحلفاؤه في عدن. ومع ذلك، تصر قطر على تجاهل هذه الحقائق التاريخية والجراح الوطنية لشعوب تتوق إلى الحرية والعدالة.
تفاقم النفاق القطري عندما نُدرك أن الاستقلال الفعلي لقطر لم يتحقق إلا بعد أكثر من قرن من الاعتراف البريطاني، وبعد أن رفضت قطر الانضمام إلى الاتحاد الإماراتي في السبعينيات. آنذاك، أعلنت الدوحة والبحرين استقلالهما من جانب واحد، وفضلتا البقاء خارج الكيان الاتحادي.
واليوم، تنعم قطر باستقلالها التام، وتمتلك جيشًا وسيادة، وتحميها تحالفات دولية، لكنها في المقابل تنكر هذا الحق على شعوب الجنوب في اليمن، وأرض الصومال، وتعمل عبر أدواتها الإعلامية والسياسية على دعم مشاريع الوحدة القسرية، متجاهلةً أن التاريخ لا يُبنى على الإنكار، بل على التفاهم، والاعتراف، والعدالة.