لغز فشل تحرير اليمن والوصول إلى صنعاء
صالح أبوعوذل
قال الدكتور خالد بحّاح، نائب الرئيس ورئيس الحكومة الأسبق، إن إدارة الرئيس عبدربه منصور هادي عملت في...
في وقتٍ تتشابك فيه خطوط الصراع اليمني وتتعدد فيه مراكز النفوذ، ترتفع حضرموت اليوم إلى واجهة الملفات المؤجلة على طاولة مجلس القيادة.
فالمحافظة الأكثر ثراءً واستقرارًا نسبيًا تعيش فراغًا أمنيًا يتسع كل يوم بفعل ازدواجية القرار وتضارب مراكز القوة بين الساحل والوادي.
ورغم أن المشهد اليمني اعتاد أن تمتلك مكوّناته السياسية تشكيلات شبه خاصة تتحرك داخل نطاقاتها الجغرافية—من الانتقالي إلى الإصلاح وصولًا إلى قوات الساحل الغربي—بقيت حضرموت وحدها موزعة بين قوتين لا تعودان بشكل مباشر للقرار الحضرمي.
فالساحل يخضع للنخبة الحضرمية ذات الرضا الشعبي شبة الواسع، بينما يفرض نفوذ المنطقة العسكرية الأولى سيطرته على الوادي، ما صنع مشهدًا غير متجانس انعكس على الأمن والسياسة والمجتمع.
هذا التباين بلغ ذروته مؤخرًا مع تغريدة اللواء فرج البحسني، عضو مجلس القيادة، التي وجه فيها انتقادًا مباشرًا للرئيس رشاد العليمي، متهمًا إياه بتسويف الحلول وإدارة ظهره للأزمة المتصاعدة في حضرموت، والتباطؤ في التعامل مع الشرط الخامس من إعلان نقل السلطة.
ومع ذلك، فإن على البحسني أن يدرك أن ألوية حماية حضرموت قوة ذات خصوصية، تخدم مشروعًا محليًا نشأ من واقع الحاجة والمطالب، وأن أي محاولة لدمجها قسرًا أو فرض قيادة مشتركة عليها أعتقد لن يقبلها الحلف الحضرمي.
كما أن ضم قوة غير حضرمية إلى كيان حضرمي مثل النخبة يُعد—سياسيًا—تحايُلًا على طبيعة التوازن المحلي.
اللافت أن البحسني—الذي يُنظر إليه في حضرموت بوصفه صوتًا وطنيًا ذا وزن اجتماعي وعسكري—لمّح إلى إمكانية اتخاذ قرارات أحادية ستقود، وفق تعبيره، إلى تطبيع الأوضاع بما ينسجم مع إعلان نقل السلطة، وصولًا إلى لحظة لن يكون صمت الحضارم بعدها خيارًا.
وفي حال فعل ذلك، يرى مراقبون أن المكونات المحلية، رغم تباين توجهاتها، ستقف صفًا واحدًا خلف أي قوة حضرمية موحدة تعيد الاعتبار لحق حضرموت في إدارة أمنها، على غرار تجربة البشمركة في كردستان التي نشأت كقوة محلية وفرضت واقعها على الأرض.
ومع امتلاك حضرموت نواة جاهزة تتمثل في ألوية حماية حضرموت والنخبة الحضرمية، تتزايد القناعة بأن أبناء المحافظة يمتلكون ما يكفي لتشكيل قوة ضامنة، إذا ما توحدت الإرادة السياسية والشعبية.
ويعزز هذا الاتجاه التلاقي الواضح بين رغبة الشارع الحضرمي والتوجهين الأممي والسعودي نحو إعادة ضبط ميزان القوى في المحافظة، خاصة بعد العقوبات الأخيرة التي أعادت رسم خطوط النفوذ وأرسلت رسائل واضحة بضرورة كبح المراكز غير المنضبطة—في إشارة إلى تهريب السلاح للحوثي وإغلاق الحكومة للموانئ قبل أيام من إحاطة مجلس الأمن—ما وضع قوى محلية تحت ضغط كبير تمهيدًا لتسوية سياسية أكثر تماسكًا.
في المقابل، يواجه الرئيس رشاد العليمي اختبارًا حساسًا.
فالتباطؤ في ملف حضرموت لم يعد يُقرأ كخلاف سياسي داخل الشرعية، بل بات يُنظر إليه كعائق أمام مسار التسوية الشاملة التي ترعاها الرياض والأمم المتحدة، فضلًا عن ارتباطه بتحفّظ العليمي على نفوذ المنطقة العسكرية الأولى، وموازاة ذلك بنفوذ نائبه عيدروس الزبيدي في ساحل حضرموت.
وكلما تأخر التدخل الرسمي، تعاظمت قناعة الحضارم بأن الحل لن يأتي من الخارج وأن تشكيل قوة موحدة قد يصبح خيارًا واقعيًا لحماية قرارهم وسيادتهم.
حضرموت—المعروفة تاريخيًا بالحِلم والتروي—تقترب اليوم من لحظة نفاد الصبر.
ومع تنامي الرفض لأي نفوذ مباشر أو ناعم داخل أراضيها، يلوح في الأفق مشهد لا يحتمل التأجيل:
إما أن يتحرك العليمي نحو حل جذري يفعّل مهام اللجنة الأمنية والعسكرية المشتركة وفق اختصاصاتها في إعلان نقل السلطة،
أو أن تولد في حضرموت قوة موحدة تفرض حضورها، كما فعلت شعوب كثيرة لم تجد من يسمع صوتها إلا حين فرضته بيدها.