الوحدة اليمنية بين الحلم والكابوس
د. فائز سعيد المنصوري
كانت الوحدة اليمنية حلمًا يراود جميع أبناء اليمن، وكنا – ونحن طلاب في المدارس – نردد في الطابور الصب...
كانت الوحدة اليمنية حلمًا يراود جميع أبناء اليمن، وكنا – ونحن طلاب في المدارس – نردد في الطابور الصباحي كل يوم شعار: "وتحقيق الوحدة اليمنية". كبرنا على هذا الحلم حتى جاء يوم الثاني والعشرين من مايو عام 1990م، فتحوّل إلى حقيقة عاشها الشعب اليمني شمالًا وجنوبًا على حدٍّ سواء.
غير أن هذا الحلم الجميل بدأ يتشوَّه بعد حرب صيف عام 1994م، حين تحوّل الجنوب من دولة مؤسسات إلى غنيمة بيد حزبي "المؤتمر الشعبي العام" و"التجمع اليمني للإصلاح"، مما أدى إلى تهميش مؤسسات الدولة الجنوبية والقضاء عليها؛ كإغلاق ميناء عدن، وتدمير مصانع النسيج والأسماك، إلى جانب إقصاء الكفاءات، وتفكيك البنية المؤسسية التي كانت قائمة قبل الوحدة.
وقد عملت تلك القوى على التقليل من شأن الدولة، حتى أصبح الفساد سمة سائدة، وانتشرت ثقافة تعتبر النزاهة أمرًا لا يُكافَأ، بل يُرقَّى الفاسد إلى مناصب عليا. وقد شكّل هذا الوضع سببًا مباشرًا في بروز "الحراك الجنوبي"، الذي طالب باستعادة جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية على حدود عام 1990م.
وعندما اندلعت ثورات الربيع العربي، وخرجت ثورة الشباب في فبراير 2011م، كانت من نتائجها انعقاد مؤتمر الحوار الوطني الشامل. لكن بدلًا من أن يُفضي هذا الحوار إلى تصحيح مسار الوحدة، تزامن مع تحولات مذهبية خطيرة تمثّلت في تبنّي جماعة "أنصار الله" الزيدية الحوثية للمذهب الشيعي الإمامي الاثني عشري، ما أثار رفضًا واسعًا في الجنوب، نظرًا للفوارق العقدية، إذ إن أبناء المحافظات الجنوبية يتبعون المذهب السني الشافعي، ويخشون طمس هويتهم الدينية والثقافية.
ومع ذلك، في عام 2015م، اجتاحت جماعة الحوثي المحافظات الجنوبية بالسلاح، في محاولة لفرض سيطرتها ومشروعها بالقوة. إلا أن شعب الجنوب قاوم ببسالة، وقدم التضحيات والشهداء، قبل أن يتدخل التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية.
وهكذا، تحوّل الحلم الوحدوي شيئًا فشيئًا إلى كابوس دامٍ، وأصبح المشروع الوحدوي – في نظر كثيرين – سببًا في مآسٍ متراكمة، بدلًا من أن يكون مدخلًا لبناء الدولة. واليوم، يفرض الواقع أسئلة ملحّة:
● هل لا يزال بالإمكان تصحيح مسار الوحدة وتحقيق الاستقرار في اليمن والمنطقة؟
● وهل من الحكمة أن تُصرّ بعض الأحزاب السياسية والتحالفات القبلية على بقاء وحدة تشارك فيها قوى تتبنّى المذهب الشيعي الإمامي، رغم ما سال من دماء تحت شعارات طائفية مزّقت النسيج الوطني؟
● وما هي الآلية المناسبة لضمان عدم تكرار أحداث عام 2015م أو تلك التي وقعت في 1994م، خاصة أن الكثافة السكانية في المحافظات الشمالية تفوق أضعاف نظيرتها في المحافظات الجنوبية؟
إن من الضروري إعادة النظر في مشروع الوحدة بعقلانية ومسؤولية، خاصة عند مقارنة الكثافة السكانية غير المتوازنة بين الجنوب والشمال، وما تسببه من اختلال في التمثيل والقرار السياسي. لقد آن الأوان لاستدعاء صوت العقل، والنظر إلى المآلات بوعي وطني خالص، قبل أن تُدفن فرص التصحيح تحت ركام الانهيارات القادمة.