"الانتقالي" في الواجهة والشرعية فارة (1 - 2 )
خالد الكثيري
في مقابل فرار "شركاء الشرعية" وتنصلها عن واجباتها، فإن المسؤولية كل المسؤولية تلزم "المجلس الانتقالي...
دائما تصحو الجبال على قرقعة البنادق وتنام الأرض على زغاريد الانتصار، تمتد جبهة النار والعزة من يافع الأبية إلى كرش الصامدة، ومنها إلى الضالع الشماء. ليست هذه مجرد أسماء لمناطق، بل محطات في طريق الخلاص الوطني، وشواهد حية على أسطورة جنوبية كتبتها التضحيات، وسطّرها رجال جعلوا من صدورهم دروعًا، ومن عزيمتهم سيوفًا لا تنكسر.
يافع.. بوابة المجد وبؤرة الانطلاق
يافع، بتاريخها الضارب في أعماق العراقة، كانت وما زالت منبعًا للرجال الأشداء. لم تكن الحرب بالنسبة لأبنائها مجرد خيار، بل واجب وشرف لا يُؤجّل. منذ اللحظة الأولى لانفجار المواجهة مع المليشيات الحوثية، لبّى رجال يافع نداء الواجب، وارتفعت رايات الجنوب عالية في كل متر دافعوا عنه. من قارة إلى قارة، ومن وادٍ إلى جبل، كانوا السند للجبهات، يرسلون الرجال والإمداد، ويستقبلون الشهداء بالزغاريد، ليواصل من بعدهم الطريق جيلٌ لا يعرف الهزيمة.
في كرش، تتجلى أبهى صور الصمود البطولي. بلدة صغيرة في جغرافيتها، لكنها كبيرة في رمزيتها وبأسها. كانت هذه المنطقة خط النار الأول، حيث تقاطعت طرق الجغرافيا بالسياسة، وحيث أرادت المليشيا السيطرة على الممرات الحيوية جنوبًا، لكنهم اصطدموا بصمود خارق. تحوّلت كرش إلى ما يشبه قلعة حصينة، تناثرت فيها مواقع المقاومة كنجوم في ليلٍ مكفهر. سقط الأبطال الواحد تلو الآخر، لكنهم لم يسقطوا عبثًا، بل زرعوا الأرض كرامة، وأحاطوا الجنوب بسياج من دم.
الضالع.. رئة الجنوب وقلبه النابض بالمقاومة
أما الضالع، فهي ملحمة بذاتها، مدينة الثبات والنار التي لا تنطفئ. كانت ولا تزال من أكثر الجبهات اشتعالًا، حيث المعارك لا تهدأ، وحيث أبناء الضالع يصدّون المليشيات بصدور عارية وروح لا تقهر. في قعطبة، مريس، الفاخر، والجب، تكسّرت موجات الهجوم الحوثي كما تتكسّر الأمواج على الصخور. تحوّلت هذه المناطق إلى رموز للمقاومة الجنوبية، واحتضنت معارك بطولية أعادت رسم خارطة الصراع.
الضالع لا تقاتل فقط عن نفسها، بل تقاتل نيابة عن كل الجنوب. هي الخط المتقدم، والدرع الواقي، والسد المنيع. رجالها قاتلوا بإيمان لا يتزعزع، مؤمنين بأن المعركة ليست فقط معركة أرض، بل معركة هوية وكرامة، معركة رفض للعبودية وانتصار للحرية.
الجميل والمهيب في هذا الصمود الممتد من يافع إلى كرش والضالع، هو وحدة الروح. لم يكن أبناء هذه المناطق ينتظرون أوامر عليا أو حسابات سياسية؛ كانوا ولا يزالون يقاتلون لأنهم أصحاب قضية، لأن الأرض أرضهم، ولأن الجنوب لا يُحمى إلا برجاله.
توحّدت البنادق في الخنادق، وتسابق الأبطال إلى المتاريس. لا تفرقة بين قبلي ومدني، ولا بين مقاتل من يافع أو من الضالع أو من لحج. الجميع انصهر في بوتقة واحدة، بوتقة الجنوب الحر، الذي لا يقبل الضيم ولا يرضى بالاحتلال، أيًّا كانت رايته أو هويته.
شهداء خالدون وتاريخ لا يُمحى
لقد قدّم أبناء هذه المناطق قوافل من الشهداء، من القادة والجنود والمواطنين البسطاء. كل شهيد منهم كان عنوانًا لفصل جديد من فصول البطولة، وكل دم سال كان بذرة أمل تُسقى كل يوم بالصبر والإيمان.
إن التاريخ سيقف طويلًا أمام هذه المرحلة من نضال الجنوب، وسيرى العالم أن هناك شعبًا قد واجه آلة الموت بثبات، وانتصر بالإرادة قبل أن ينتصر بالسلاح.
من يافع إلى كرش، ومن الضالع إلى كل ذرة تراب جنوبية، هناك ملحمة ما زالت تُكتب. ليست حربًا عادية، بل صراع بين النور والظلام، بين العزة والعبودية. وكل من قاتل على هذه الأرض، كل من صمد ودافع ورفض الانكسار، هو بحد ذاته أسطورة تمشي على الأرض.
الجنوب لا يُؤخذ، لأنه ببساطة لا يُباع. والحرية لا تُنتزع من قلوب أبنائه، لأنها متجذّرة في أرواحهم. ومن الجبال الشامخة إلى الوديان، سيظل صدى الصمود يتردّد: نحن هنا.. لن نُهزم.. ولن ننحني.