النظام الإيراني يرد على صدى بروكسل بالإعدام: تحدٍ سافر للمجتمع الدولي
مهدي عقبائي
في خطوة استفزازية تعكس حالة الرعب التي تسيطر على نظام ولاية الفقيه، أقدمت سلطات طهران على إعدا...
في مقال سابق تناولنا التوافق التكتيكي الحاصل بين نظام الملالي الحاكم في إيران من جهة والغرب من جهة أخرى بشأن ترويض المنطقة العربية وإخضاعها لمسار معين وهو ذات المسار المستخدم من قبل الغرب وينفذ حكام إيران في حقبة الدكتاتورية الشاهنشاهية ودكتاتورية ولاية الفقيه على حد سواء منذ قرابة مئة سنة.
اليوم وبعد المتغيرات السياسية الهدامة في العراق ولبنان واليمن، وما جرى على الأرض السورية من تدمير وتنكيل بحقوق المدنيين وتشريدهم وهدم الاقتصاد السوري في سبيل بقاء نظام الأسد حليف الملالي المخلص وشريك مخططاتهم التوسعية في المنطقة، وبعد الدمار الحاصل في فلسطين المحتلة وغزة المنكوبة تتضح الرؤية على نحو لا لبس فيه فيما يتعلق بعلاقة الغرب بنظام ولاية الفقيه ونوايا الغرب المتعلقة بالشرق الأوسط..هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى مصداقية نظام ولاية الفقيه تجاه القضية الفلسطينية والحرب الإبادية في غزة بعد أن غدر الملالي بالفلسطينيين، ولم يعد ذلك خافيا على أحد اليوم كما لم يعد الموقف قابلاً للمراوغة والتجميل فقبح المواقف لا يحتمل التجميل.
من السيناريوهات المحتملة لمصير المنطقة العربية في ظل هيمنة ملالي إيران:
من الصعب تحديد السيناريو الأكثر احتمالية، حيث يعتمد ذلك على العديد من العوامل، بما في ذلك التطورات السياسية والاقتصادية في المنطقة، وصلابة مواقف الدول العربية في مواجهة الدول الغربية ونظام الملالي في إيران.
هل كان قبول العرب بالتطبيع مع نظام الملالي في إيران صائبا؟
الإجابة على هذا السؤال تعتمد على المعايير التي يتم على أساسها الحكم على الصواب والخطأ، فإذا كانت المعايير مؤدية إلى تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة بشكل مؤكد فإن التطبيع قد يكون صائباً حيث أنه قد يؤدي إلى تقليل التوترات والصراعات بين العرب ونظام الملالي مما قد يساهم في تحقيق الاستقرار الإقليمي.
أما إذا كان المعايير هنا تتعلق بمصالح واحتياجات نظام ولاية الفقيه فقط، ولا تحقق الحق الأدنى من المطالب العربية وأولها عدم التدخل في الشؤون العربية بما في ذلك الملف الفلسطيني فإن مسار التطبيع هنا يكون مساراً خاطئاً حيث سيعود ذلك بالضرر على كافة الدول العربية، وكما أخر عملية التقدم على طريق إيجاد تصالح ووحدة للصف الفلسطيني سيزيد من تعقيدات القضية الفلسطينية من خلال دعم طرف ضد آخر وهو ما يسعى إليه أعداء القضية الفلسطينية.
هل أتى التطبيع بثماره؟
لم يأتي التطبيع مع نظام الملالي بأي نتائج إيجابية على الإطلاق كما لم يفي بأية عهود بين الدول العربية وملالي إيران، ولن يؤدي إلى ذلك على أي مدىً ولن يؤدي إلا إلى خلق متنفسٍ للملالي للتخلص من أزماتهم واختناقهم في ظل الانتفاضة الشعبية وإصرار الشعب على اسقاط النظام.
وعلى المستوى السياسي فإنه من غير الممكن أن يؤدى التطبيع نظام الملالي إلى حالة من التوافق السياسي نظراً لحجم هوة الاختلاف وعمق الصراع الفكري والعقائدي تاريخيا بين الطرفين وهو أمر لا يمكن لأي طرف من الطرفين المُطبعين أن يقفز عليه ويتغاضى ولو مرحليا إلا من الناحية التكتيكية والتي لا تتطلبها المرحلة الحالية عربيا.. وهنا يمكن القول بأنه لم يأتي التطبيع مع ملالي إيران بأية ثمار ولن يأتي.
ألا يحتاج العرب إلى إيران جديدة متعاونة وتحترم الجوار؟
نعم، يحتاج العرب إلى إيران جديدة يحكمها نظام ديمقراطي يحترم مبادئ الحريات في إطار دولة ديمقراطية حضارية وغير نووية تؤمن بالتعايش السلمي داخلياً وخارجيا وحسن الجوار مع دول المنطقة ويوفر الاستقرار الداخلي من خلال ثقافة التعايش والعدالة الاجتماعية والمساواة وتلبية الحقوق المشروعة لجميع مكونات المجتمع الإيراني، وهناك العديد من الأسباب التي تُوجِب ذلك ومنها:
بالإضافة إلى هذه الأسباب فإن وجود إيران جديدة متعاونة وتحترم الجوار سيكون في مصلحة السلام والاستقرار في الشرق الأوسط بشكل عام.
هناك بعض العقبات التي قد تواجه تحقيق هذا الهدف مثل الاختلافات العقائدية التي تم تسييسها في عهد الشاه والملالي إلا أن هذه العقبات يمكن التغلب عليها من خلال الحوار والتعاون والتفاهم بين إيران المستقبل والدول العربية، وهنا من المهم أن تدرك الدول العربية أن إيران المستقبل التي يجب أن نصوغها معا دولة مهمة في الشرق الأوسط، وأن العمل علة إيجادها والتعاون معها سيكون مفيدا واستراتيجيا لكلا الطرفين الذين سيكونان بمثابة محورٍ إقليمي وعالمي بالغ الأهمية.
ماذا لو غير العرب الموازين وقاموا هم بصناعة الخيارات وانتهاج سياسة التعامل بالمثل وبتكتيكات استراتيجية؟
إذا غير العرب الموازين وقاموا هم بصناعة الخيارات وانتهاج سياسة التعامل بالمثل وبتكتيكات استراتيجية، فإن ذلك سيؤدي إلى تغييرات كبيرة تبدأ بالأوضاع في إيران وسيعود ذلك بالفائدة على المجتمع الدولي.
أولاً: سيؤدي ذلك إلى زيادة قوة ونفوذ العرب في العالم؛ فعندما يمتلك العرب القدرة على صناعة الخيارات فإنهم بذلك سيكونون قادرين على تحقيق أهدافهم ومصالحهم بشكل أكثر فعالية، كما أن سياسة التعامل بالمثل ستجعل العرب أكثر مكانة لدى الآخرين.
ثانياً: سيؤدي ذلك إلى تحسين العلاقات بين العرب والدول الأخرى، وعندما يعتمد العرب على سياسة التعامل بالمثل فإنهم بذلك سيكونون أكثر استعداداً للتعاون مع الآخرين على أساس من المساواة والاحترام المتبادل، كما أن اتباع التكتيكات الاستراتيجية سيجعل العرب أكثر كفاءة في تحقيق أهدافهم مما سيؤدي إلى زيادة الثقة والاحترام بين العرب والدول الأخرى.
ثالثاً: سيؤدي ذلك إلى تحقيق السلام والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، فعندما يكون العرب قادرين على صناعة الخيارات فإنهم سيكونون قادرين على حل النزاعات في المنطقة بشكل أكثر فعالية، كما أن سياسة التعامل بالمثل ستجعل العرب أكثر حرصاً على الحفاظ على السلام حيث سيدركون أهمية صناعة خياراتهم ومدى كلفتها إلى جانب إدراكهم لكلفة الحروب بالنسبة لهم.
وبطبيعة الحال على العرب أن يعيدوا حساباتهم من أجل تغيير الموازين بالمنطقة بدءا من التغيير في إيران وهو ليس أمراً سهلاً ما لم يقف العرب تكتيكيا وتعبوياً إلى جانب الشعب الإيراني والمجلس الوطني للمقاومة الإيرانية من أجل صناعة خياراتهم ومستقبل المنطقة الذي سيعود على الجميع بالخير والازدهار.
إن التغيير في المنطقة نحو السلم والاستقرار ممكناً ولن يكون كذلك إلا بدءاً من التغيير في إيران؛ إنه التغيير الذي سيكون له تأثيراً إيجابياً كبيراً على مستقبل شعوب المنطقة والعالم.
د. سامي خاطر/ أكاديمي وأستاذ جامعي